المادة    
يقول: (وقال بعض الصحابة: [ ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر ] ) فجعلهما فتنتين، فهما في كلا الحالين امتحان واختبار لنا من الله تبارك وتعالى، فهم في حال الضراء صبروا، وحصلوا على مقامات الصابرين، لكن وقع الضعف في درجات الشاكرين، ولذلك فالصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يقع بينهم الاختلاف إلا بعد أن وسع الله تبارك وتعالى عليهم من الدنيا، وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، وأفضل أمة؛ ومع ذلك وقع الخلاف بينهم عندما كثر المال، وذلك أن الأمة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في أيام أبي بكر ، ثم في أيام عمر ، ثم في شطر من خلافة عثمان رضي الله تعالى عنهم أجمعين كانت أمة واحدة لا تفرق بينها، ولا اختلاف، ثم في النصف الأخير من خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه وقع الخلاف الذي نجم عنه خروج الثوار من الأنصار، ثم مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه، وبعد مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه وقعت الفتنة الكبرى، وتفرقت الأمة إلى شيعة و خوارج ، وظهرت أيضاً بعد ذلك أو معه المرجئة ، وكانت الفتن المعلومة.
ولو تأملنا في الذي أُخذ على عثمان رضي الله تعالى عنه -بغض النظر عن أن هذا مصيب، وهذا مخطئ، وهذا مجتهد، وهذا غير مجتهد- لوجدنا أن ذلك بسبب المال أو الدنيا، فإنهم أخذوا على عثمان رضي الله تعالى عنه عدة مآخذ، ومن تلك المآخذ -ولا شك أن صاحبه مخطئ، وإن كان له أجر الاجتهاد- ما أخذه أبو ذر رضي الله تعالى عنه، فقد كان يرى أن ما زاد عن الحاجة فهو كنز، والصحابة كلهم يرون أن ما أديت زكاته فليس بكنز، فالخلاف هنا في المال، وليس في أمر من أمور الدين كالعقيدة، أو الإيمان، أو القدر، أو الصفات، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن هذه المشكلة نتج عنها أن وقع نوع من الاختلاف، وهذا الاختلاف أدى إلى نوع من البغي، فبغى بعضهم على بعض ولو بالكلام، والناس -وخاصة العوام- إذا سمعوا من هذا كلمة، ومن هذا أخرى؛ فإنهم بسهولة ينشقون إلى فئتين: فئة مع هذا، وفئة مع هذا، فقالت طائفة منهم: إن عثمان رضي الله تعالى عنه قد حمى الحمى، وأنه توسع في الأعطيات لبعض أقاربه، وأخذوا مآخذ كلها ترجع إلى المال.